الحرب جريمة والسلام فضيلة
النصر إعانة المظلوم، وفي الحديث النبوي "انصر أخاك ظالما أو مظلوما" وتفسيره أن يمنعه من الظلم إن وجده ظالما، وإن كان مظلوما أعانه على ظالمه والنصرة حسن المعونة، والاستنصار استمداد النصر، والتناصر التعاون على النصر، وفي الحديث النبوي "كل المسلم عن مسلم محرّم أخوان نصيران" أي أخوان يتناصران ويتعاضدان. والنصير بمعنى فاعل أو مفعول لأن كل واحد من المتناصرين ناصر ومنصور وقد نصره ينصره نصرا إذا أعانه على عدوه وشد منه.
وعندما نقول تناصرت الأخبار أي صدق بعضها بعضا، والأنصار هم أنصار النبي صلى الله عليه وسلم غلبت عليهم الصفة فجرى مجرى الأسماء وصار كأنه اسم الحي، ولذلك أضيف إليه بلفظ الجمع فقيل أنصاري. قال الأزهري يكون الانتصار من الظالم الانتصاف والانتقام، وانتصر منه انتقم. قال "نابليون بونابرت" "الانتصار الدائم الباقي الذي لا يعقب أسى، ولا يورث ندما، هو الانتصار على النفس" وقال "بول فالري" "إن أعز انتصار لمنافسك هو أن يقنعك بما يقول" وقال "فوش" "ليس النصر وليد العلم وحسب، بل وليد الإيمان أيضا"..
قال السيد المسيح "مباركون هم صانعو السلام لأنهم كانوا في طاعة الرب" وقال حكيم "إذا كان الناس يتحدثون عن السلام بأفواههم ويعملون الشر بأيديهم فكيف ينتظرون السلام من البشر" قال "البرتو مورافيا" "الحرب جريمة الحضارة، والسلام فضيلتها"...
لقد سبق في الماضي أن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معه "متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب" "البقرة آية 214" والتاريخ أثبت وصدق "ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله" "آل عمران آية 123" "لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلن تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين" "التوبة آيتان 25-26".
هذه الغزوة التي كانت اختبارا عسيرا للمسلمين وحصل فيها خلاف ولكن عاقبتها نصر وسلم "وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم" "آل عمران آية 126" "يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم" "محمد آية 7" "إن ينصركم الله فلا غالب لكم إن يخذلكم فمن الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون" "آل عمران آية 160".
فيا مسلمو هذا العصر، "مالكم لا تناصرون" "الصافات آية 25"؟ ألم تحرك سواكنكم هذه الآية التاريخية "إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله يما تعملون بصير" "التوبة آية 72".
في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان جيش المسلمين يتحرك بقيادة سعد بن أبي وقاص في معركة القادسية، فماذا قال خليفة المسلمين لقائده وجنده وهم مقبلون على هذه المعركة الكبيرة؟ قال لهم: "أما بعد يا سعد، فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإنها أفضل العدة وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشداء احتراسا من المعاصي من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليه من عدوه.. وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله..
ولا ننصر عليهم بفضلنا وديننا فلن نغلبهم بقوتنا واعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون فاستحيوا منهم ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيله.. ولا تقولوا إن عدونا شر منا فلن يسلط علينا، فرُبّ قوم سلط عليهم من هم شر منهم كما سلّط الله على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط الله كفار المجوس؛ فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا. اسألوا الله العون على أنفسكم قبل أن تسألوه العون على أعدائكم".
هذه أخلاق الإسلام الحق يلخصها أبو هريرة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الشديد ليس من غلب الرجال ولكن الشديد من غلب نفسه"، والترمذي عن ابن عباس "يد الله مع الجماعة" ومالك عن أبي هريرة "ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".. وفي حديث أنس "النصر مع الصبر والفرج مع الكرب وإن مع العسر يسرا".
فالنصر من عند الله ومن نصره الله فلا غالب له والمتفوق في النصر من غلب نفسه، وملكها عند الغضب، ومن قدر على إقناع غيره بما يقول؛ فالنصر وليد الإيمان والعلم، ومن الحكمة أن تكون قناعة المؤمن صادرة عن إيمان ومعرفة لآيات الله بأن الله صادق الوعد والوعيد، وكتب على نفسه الرحمة، فهو أحكم الحاكمين وليس فوق حكمه حكم ولا فوق شرعه شرع. "ومن يطع الله ورسوله فأولئك هم الفائزون" "النور آية 52" فالفوز هو ثمرة طاعة الله وطاعة رسوله.
أي الالتزام بالشريعة الإسلامية التي نص عليها القرآن الكريم المنزل وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذا السلوك الملتزم بقول الله تعالى "إن تنصروا الله ينصركم" يتحقق النصر بإذن الله تعالى لأن الخضوع الجماعي للإرادة الإلهية هو دليل قطعي للوحدة الإنسانية والوحدة الإنسانية لن تتحقق بالحرب الشريرة وإنما تتحقق بالإقناع والاقتناع، إذ الحرب جريمة والسلام فضيلة والنصر وليد الإيمان.