باب: ما جاء في الذبح لغير الله وقول الله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وقوله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ .
عن علي رضي الله عنه قال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات: لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والديه، لعن الله من آوى محدثا، لعن الله من غير منار الأرض رواه مسلم .
وعن طارق بن شهاب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: دخل الجنة رجل في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب. قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال مر الرجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئا، فقالوا لأحدهما: قرب. قال: ليس عندي شيء أقرب. قالوا له: قرب ولو ذبابا. فقرب ذبابا، فخلوا سبيله، فدخل النار. وقالوا للآخر: قرب. قال: ماكنت لأقرب لأحد شيئا دون الله -عز وجل-. فضربوا عنقه، فدخل الجنة. رواه أحمد .
--------------------------------------------------------------------------------
هاهنا قال: باب: من الشرك الذبح لغير الله، صرح بأن الذبح لغير الله شرك؛ وذلك لأنه ابتلي في زمانه، ولا يزال الذبح للقبور، والذبح للأولياء، والذبح للجن، والذبح للشياطين؛ لأن الذبح تعظيم لهؤلاء، ولا يقصدون بذلك اللحم؛ وإنما يقصدون التعظيم. فنقول: الذبح لغير الله قد حرمه الله، جعل ذلك المذبوح محرما في قوله تعالى: وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وفي قوله: أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ يعني: أنه من جملة المحرمات؛ لأنه ذبح لغير الله، ويعم ذلك:
أولا: ما ذبحه وذكر عليه اسم غير الله، فإذا ذبحه ولو أراد به أكل اللحم، ولكن قال - مثلا - باسم المسيح أو باسم السيد البدوي أو باسم عبد القادر أو باسم ابن علوان في أية مكان ذبحه، وذكر عليه اسمَ غير الله؛ فإنه حرام، وإن هذا شرك.
ثم يقول: ومن ذبح لغيره فقد كفر.
الذبح: هو التقرب بذبح الحيوان؛ فإنه عبادة. قال الله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ فالصلاة أعظم العبادات البدنية، والنحر أعظم العبادات المالية، جمع بينهما، وقال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ جمع الله -أيضًا- بينهما، صلاتي -يعني- هذه الصلاة، ونسكي -يعني- ذبحي. النسك: الذبح كما في قوله تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ -يعني- أو ذبح. فالذبح يكون قربة إلى الله تعالى وطاعة.
ذكر العلماء أن الذبح ينقسم إلى أقسام، أفضله:
الذبح لله. كالهدي والأضاحي وذبح الصدقة -ذبح الشاة ونحوها كصدقة- لإطعام المساكين؛ مع ذكر اسم الله عليها، وكون الذابح مسلما، وذبحها بآله حادة ما يقطع بها المريء والوجدين والحنجرة، فهذه من أفضل اللحوم، وأفضل القربات وفيها أجر.
القسم الثاني: الذبح للحم مع ذكر اسم الله. إذا ذبح الشاة للحم من أجل أن يأكلها، أو يطعم ضيفا نزل به، فهذا ذبح مباح إذا سمى وتمت الشروط، فهو ذبح العادة، أباح الله -تعالى- أكل لحوم هذه البهيمة وجعلها من نعمه في قوله تعالى: وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ .
النوع الثالث: الذبح لله؛ ولكن يذكر عليها اسم غير الله كالذي يذبح هديًا، أو يذبح شاة للحم؛ ولكن يقول: باسم المسيح أو باسم ابن علوان أو باسم البدوي أو ما أشبه ذلك، فهذا قد ذكر عليه اسم غير الله فيكون محرما؛ لقول الله تعالى: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ بعد قوله: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فيكون هذا ذبحا حراما لا يحل أكله.
القسم الرابع: الذي يذكر عليه اسم الله؛ ولكن يذبح لغير الله، فإذا أتى إلى قبر ولي وذبح عليه؛ ولو قال: باسم الله. كالذين يذبحون عند قبر الحسين أو عند قبر يقولون أنه قبر علي في النجف أو ما أشبه ذلك، أو يذبحون عند شجرة، أو عند عين أو ما أشبه ذلك؛ فإنهم وإن سموا عليه لا يحل، وكذا لا يذبح للجن.
يذكر بعض الإخوان أن كثيرا عندما ينزلون في مسكن يذبحون عند عتبة الباب، بعضهم يذبح شاة، وبعضهم يذبح دجاجة، ثم يذبحها ويسمي الله عليها؛ ولكن يقول: إنها ذبيحة لإخواننا من الجن حتى لا يؤذوننا؛ وحتى لا يشوشوا علينا أو يدخلوا في منزلنا، فيكون هذا ذبحا لغير الله، فيدخل في الشرك -يعني- ما يحلها كونهم قالوا عليها: بسم الله.
كذلك أيضا قسم خامس -وهو أشدّها- إذا ذبحها عند القبر، أو عند الشجرة، أو عند قبر الولي، وذكر عليها اسم الولي. إذا قال عند الذبح: باسم شمسان باسم زيد أو باسم المسيح أو باسم الجيلاني أو ما أشبه ذلك؛ فإن هذا ذبح لغير الله، فهو حرام. وهذا يقع كثيرا.
في قصيدة الصنعاني التي أرسلها إلى نجد والتي يقول في أولها:
سلام على نجد ومن حـل في نجـد
وإن كان تسليمي عن البعد لا يجـدي
إلى أن قال:
قفي واسـألي عن عالم حل سوحها
به يهتدي من ضل عن منهج الرشد
وقد جـاءت الأخبـار عنه بأنــه
يعيد لنا الشرع الشريف بما يجـدي
وينشر جهرا ما طـوى كـل جاهل
ومبتـدع منه فـوافق مـا عنـدي
إلى أن قال:
أعادوا بهـا معنـى سواع ومثله
يغوث وود بـئس ذلـك مـن ود
وكم عقروا في سوحها مـن عقيرة
أهلت لغـير الله جـهرا على عمد
وكم طائـف حـول القبـور مقبل
ومستلم الأركان منهـن بـالأيدي
يصف ما يعبد هناك في صنعاء وفي اليمن وما حوله، أنهم أعادوا بها معنى سواع الذي هو معبد لقوم نوح ومثله يعوق وود الأصنام التي ذكرها الله.
وكم عقـروا في سوحها مـن عقيرة
أهلت لغـير اللـه جهرا على عمد
في سوحها يعني: في ساحاتها، فيدل على أنها أهلت لغير الله، فتكون حراما، داخلة في قول الله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ الإهلال: هو رفع الصوت عند الذبح. فإذا قالوا عند الذبح: باسم المسيح باسم ابن علوان باسم الجيلاني أو ما أشبه ذلك فقد أهلت لغير الله.
ولا شك أن هذا شرك؛ لأنه تعظيم لذلك المسمى، وتعظيم لصاحب القبر الذي ذبحت عنده، وتعظيم للجن الذين ذبح باسمهم، أو ما أشبه ذلك، فمن فعل ذلك فقد كفر.
وقوله: من ذبح لغير الله فقد كفر.
أي: عمل كفرا؛ وذلك لأنه مشرك ومستحق للوعيد، وفي الحديث لعن الله من ذبح لغير الله في صحيح مسلم عن ... في كتاب التوحيد، وفي مسند الإمام أحمد قصة الرجل الذي دخل النار في ذباب، لما أتى على قوم لهم صنم لا يتجاوزه أحد حتى يقرب إليه، فقالوا له: قرب. قال: ما عندي شيء أقرب. قالوا : قرب ولو ذبابة. فقرب ذبابة، فخلوا سبيله فدخل النار. أراد بذلك تعظيم شأن صنمهم، فدل على أن كل من تقرب إلى مخلوق بالذبح له؛ ولو عصفورا أو نحوه دخل في هذا الوعيد.
أسباب انتشار هذه الظواهر بين المسلمين
رغم وضوح الأدلة على تحريم صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله كالذبح والنذر وغيرها، إلا أن هذه الظواهر تكاد لا تخطئها العين في مجتمعات المسلمين من حيث الظهور والانتشار، ويعود السبب في ذلك إلى فشو الجهل بين المسلمين، وخفاء أحكام الإسلام عن الكثير منهم، أضف إلى ذلك التقليد الأعمى، والتمسك بما عليه الآباء والأجداد، وإذا كان الجهل هو سبب ظهور هذه الظواهر فإن التقليد هو سبب دوامها واستمرارها .
ومن أسباب انتشار هذه الظواهر أيضاً تبرير البعض الذين تتقاطع مصالحهم مع بقاء هذه الضلالات، فتجدهم يدافعون وينافحون عنها، حرصاً على مصالحهم ومكاسبهم التي يجنونها من وراء ذلك.
أما طريق علاج هذه الظواهر فيكون بنشر العلم الشرعي، والعقيدة الصحيحة، المصحوب بالرفق بالمخاطبين، وعدم التعنيف عليهم، فما كان الرفق في شيء إلا زانه، مع مراعاة أن القوم قد نشؤوا على هذه الانحرافات، وبالتالي فإنه هجرهم لها بعد طول عهد شديد على النفس، فضلاً عما قد يجلبه عليهم من جفاء أهليهم وذويهم .
ومن سبل العلاج أيضاً التوجه إلى الشيوخ الذين يبررون مثل هذه الأفعال ومناصحتهم ومحاورتهم بالتي هي أحسن، وبيان ضلال هذه المسالك، وتذكيرهم بحال السلف والصحابة والتابعين وأئمة الإسلام العظام كمالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم، الذين لم ينقل عن أحد منهم أنه فعل ذلك أو جوّزه، وكل خير في اتباعهم وسلوك طريقهم، فذلك حريٌّ بأن يوقظ القلوب من الغفلة، ويرد الشاردين إلى دينهم، كما فهمه السلف الصالح رحمهم الله جميعاً
عن علي رضي الله عنه قال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات: لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والديه، لعن الله من آوى محدثا، لعن الله من غير منار الأرض رواه مسلم .
وعن طارق بن شهاب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: دخل الجنة رجل في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب. قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال مر الرجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئا، فقالوا لأحدهما: قرب. قال: ليس عندي شيء أقرب. قالوا له: قرب ولو ذبابا. فقرب ذبابا، فخلوا سبيله، فدخل النار. وقالوا للآخر: قرب. قال: ماكنت لأقرب لأحد شيئا دون الله -عز وجل-. فضربوا عنقه، فدخل الجنة. رواه أحمد .
--------------------------------------------------------------------------------
هاهنا قال: باب: من الشرك الذبح لغير الله، صرح بأن الذبح لغير الله شرك؛ وذلك لأنه ابتلي في زمانه، ولا يزال الذبح للقبور، والذبح للأولياء، والذبح للجن، والذبح للشياطين؛ لأن الذبح تعظيم لهؤلاء، ولا يقصدون بذلك اللحم؛ وإنما يقصدون التعظيم. فنقول: الذبح لغير الله قد حرمه الله، جعل ذلك المذبوح محرما في قوله تعالى: وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وفي قوله: أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ يعني: أنه من جملة المحرمات؛ لأنه ذبح لغير الله، ويعم ذلك:
أولا: ما ذبحه وذكر عليه اسم غير الله، فإذا ذبحه ولو أراد به أكل اللحم، ولكن قال - مثلا - باسم المسيح أو باسم السيد البدوي أو باسم عبد القادر أو باسم ابن علوان في أية مكان ذبحه، وذكر عليه اسمَ غير الله؛ فإنه حرام، وإن هذا شرك.
ثم يقول: ومن ذبح لغيره فقد كفر.
الذبح: هو التقرب بذبح الحيوان؛ فإنه عبادة. قال الله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ فالصلاة أعظم العبادات البدنية، والنحر أعظم العبادات المالية، جمع بينهما، وقال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ جمع الله -أيضًا- بينهما، صلاتي -يعني- هذه الصلاة، ونسكي -يعني- ذبحي. النسك: الذبح كما في قوله تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ -يعني- أو ذبح. فالذبح يكون قربة إلى الله تعالى وطاعة.
ذكر العلماء أن الذبح ينقسم إلى أقسام، أفضله:
الذبح لله. كالهدي والأضاحي وذبح الصدقة -ذبح الشاة ونحوها كصدقة- لإطعام المساكين؛ مع ذكر اسم الله عليها، وكون الذابح مسلما، وذبحها بآله حادة ما يقطع بها المريء والوجدين والحنجرة، فهذه من أفضل اللحوم، وأفضل القربات وفيها أجر.
القسم الثاني: الذبح للحم مع ذكر اسم الله. إذا ذبح الشاة للحم من أجل أن يأكلها، أو يطعم ضيفا نزل به، فهذا ذبح مباح إذا سمى وتمت الشروط، فهو ذبح العادة، أباح الله -تعالى- أكل لحوم هذه البهيمة وجعلها من نعمه في قوله تعالى: وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ .
النوع الثالث: الذبح لله؛ ولكن يذكر عليها اسم غير الله كالذي يذبح هديًا، أو يذبح شاة للحم؛ ولكن يقول: باسم المسيح أو باسم ابن علوان أو باسم البدوي أو ما أشبه ذلك، فهذا قد ذكر عليه اسم غير الله فيكون محرما؛ لقول الله تعالى: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ بعد قوله: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فيكون هذا ذبحا حراما لا يحل أكله.
القسم الرابع: الذي يذكر عليه اسم الله؛ ولكن يذبح لغير الله، فإذا أتى إلى قبر ولي وذبح عليه؛ ولو قال: باسم الله. كالذين يذبحون عند قبر الحسين أو عند قبر يقولون أنه قبر علي في النجف أو ما أشبه ذلك، أو يذبحون عند شجرة، أو عند عين أو ما أشبه ذلك؛ فإنهم وإن سموا عليه لا يحل، وكذا لا يذبح للجن.
يذكر بعض الإخوان أن كثيرا عندما ينزلون في مسكن يذبحون عند عتبة الباب، بعضهم يذبح شاة، وبعضهم يذبح دجاجة، ثم يذبحها ويسمي الله عليها؛ ولكن يقول: إنها ذبيحة لإخواننا من الجن حتى لا يؤذوننا؛ وحتى لا يشوشوا علينا أو يدخلوا في منزلنا، فيكون هذا ذبحا لغير الله، فيدخل في الشرك -يعني- ما يحلها كونهم قالوا عليها: بسم الله.
كذلك أيضا قسم خامس -وهو أشدّها- إذا ذبحها عند القبر، أو عند الشجرة، أو عند قبر الولي، وذكر عليها اسم الولي. إذا قال عند الذبح: باسم شمسان باسم زيد أو باسم المسيح أو باسم الجيلاني أو ما أشبه ذلك؛ فإن هذا ذبح لغير الله، فهو حرام. وهذا يقع كثيرا.
في قصيدة الصنعاني التي أرسلها إلى نجد والتي يقول في أولها:
سلام على نجد ومن حـل في نجـد
وإن كان تسليمي عن البعد لا يجـدي
إلى أن قال:
قفي واسـألي عن عالم حل سوحها
به يهتدي من ضل عن منهج الرشد
وقد جـاءت الأخبـار عنه بأنــه
يعيد لنا الشرع الشريف بما يجـدي
وينشر جهرا ما طـوى كـل جاهل
ومبتـدع منه فـوافق مـا عنـدي
إلى أن قال:
أعادوا بهـا معنـى سواع ومثله
يغوث وود بـئس ذلـك مـن ود
وكم عقروا في سوحها مـن عقيرة
أهلت لغـير الله جـهرا على عمد
وكم طائـف حـول القبـور مقبل
ومستلم الأركان منهـن بـالأيدي
يصف ما يعبد هناك في صنعاء وفي اليمن وما حوله، أنهم أعادوا بها معنى سواع الذي هو معبد لقوم نوح ومثله يعوق وود الأصنام التي ذكرها الله.
وكم عقـروا في سوحها مـن عقيرة
أهلت لغـير اللـه جهرا على عمد
في سوحها يعني: في ساحاتها، فيدل على أنها أهلت لغير الله، فتكون حراما، داخلة في قول الله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ الإهلال: هو رفع الصوت عند الذبح. فإذا قالوا عند الذبح: باسم المسيح باسم ابن علوان باسم الجيلاني أو ما أشبه ذلك فقد أهلت لغير الله.
ولا شك أن هذا شرك؛ لأنه تعظيم لذلك المسمى، وتعظيم لصاحب القبر الذي ذبحت عنده، وتعظيم للجن الذين ذبح باسمهم، أو ما أشبه ذلك، فمن فعل ذلك فقد كفر.
وقوله: من ذبح لغير الله فقد كفر.
أي: عمل كفرا؛ وذلك لأنه مشرك ومستحق للوعيد، وفي الحديث لعن الله من ذبح لغير الله في صحيح مسلم عن ... في كتاب التوحيد، وفي مسند الإمام أحمد قصة الرجل الذي دخل النار في ذباب، لما أتى على قوم لهم صنم لا يتجاوزه أحد حتى يقرب إليه، فقالوا له: قرب. قال: ما عندي شيء أقرب. قالوا : قرب ولو ذبابة. فقرب ذبابة، فخلوا سبيله فدخل النار. أراد بذلك تعظيم شأن صنمهم، فدل على أن كل من تقرب إلى مخلوق بالذبح له؛ ولو عصفورا أو نحوه دخل في هذا الوعيد.
أسباب انتشار هذه الظواهر بين المسلمين
رغم وضوح الأدلة على تحريم صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله كالذبح والنذر وغيرها، إلا أن هذه الظواهر تكاد لا تخطئها العين في مجتمعات المسلمين من حيث الظهور والانتشار، ويعود السبب في ذلك إلى فشو الجهل بين المسلمين، وخفاء أحكام الإسلام عن الكثير منهم، أضف إلى ذلك التقليد الأعمى، والتمسك بما عليه الآباء والأجداد، وإذا كان الجهل هو سبب ظهور هذه الظواهر فإن التقليد هو سبب دوامها واستمرارها .
ومن أسباب انتشار هذه الظواهر أيضاً تبرير البعض الذين تتقاطع مصالحهم مع بقاء هذه الضلالات، فتجدهم يدافعون وينافحون عنها، حرصاً على مصالحهم ومكاسبهم التي يجنونها من وراء ذلك.
أما طريق علاج هذه الظواهر فيكون بنشر العلم الشرعي، والعقيدة الصحيحة، المصحوب بالرفق بالمخاطبين، وعدم التعنيف عليهم، فما كان الرفق في شيء إلا زانه، مع مراعاة أن القوم قد نشؤوا على هذه الانحرافات، وبالتالي فإنه هجرهم لها بعد طول عهد شديد على النفس، فضلاً عما قد يجلبه عليهم من جفاء أهليهم وذويهم .
ومن سبل العلاج أيضاً التوجه إلى الشيوخ الذين يبررون مثل هذه الأفعال ومناصحتهم ومحاورتهم بالتي هي أحسن، وبيان ضلال هذه المسالك، وتذكيرهم بحال السلف والصحابة والتابعين وأئمة الإسلام العظام كمالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم، الذين لم ينقل عن أحد منهم أنه فعل ذلك أو جوّزه، وكل خير في اتباعهم وسلوك طريقهم، فذلك حريٌّ بأن يوقظ القلوب من الغفلة، ويرد الشاردين إلى دينهم، كما فهمه السلف الصالح رحمهم الله جميعاً