يبدو تناول علاقة التربية بالإعلام أمرا بالغ الأهمية في زمن يتحول فيه العالم باستمرار نتيجة التأثير الكبير الذي أصبحت تمارسه المعلومة على مختلف مناحي الوجود الإنساني. إننا بصدد مجتمع المعلومة الذي من البديهي أن يرتبط بمتغيرات جديدة كل الجدة عن متغيرات الأزمنة الكلاسيكية التي ما فتئت تتحكم في العملية التربوية في شموليتها , لذا يكون المهتمين بحقل التربية مدعوين بشكل أكثر إلحاحا إلى إعادة صياغة تصوراتهم و مفاهيمهم إزاء سياقات و منتظرات التربية . فإذا كانت التصورات الكلاسيكية تجعل من هذه الممارسة صمام أمان الضبط و المحافظة الاجتماعية باعتبارها موجهة نحو إعادة إنتاج القيم و الرموز عن طريق نقلها بشكل أمين للأجيال اللاحقة فإن تداعيات عصر المعلومة من شأنها أن تدفع القيمين على هذه الممارسة ليس فقط لإعادة النظر في الأساليب و الآليات المنتهجة بل و في مدى قدرة هذه النماذج الثقافية نفسها على الاستمرار في الانتقال من جيل لآخر في ظل الاكتساح الثقافي الذي يضمنه الانتشار الهائل لوسائل الإعلام و فاعلية تأثيرها.
ترتبط التربية في مختلف الأدبيات الكلاسيكية بعملية التنشئة الاجتماعية socialisation باعتبارها منظومة العمليات التي يعتمدها المجتمع نقل ثقافته إلى أفراده بما تنطوي عليه هذه الثقافة من مفاهيم و قيم و عادات و تقاليد إنها باختصار العملية التي من خلالها يتم دمج الفرد في المجتمع و دمج ثقافة المجتمع في الفرد و هو طرح يجد امتداده أساسا في مختلف التعاريف و التحديدات التي تعود لكبار منظري الحقل التربوي باختلاف امتداداتهم العلمية و الابستمولوجية فعالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركهايم يقدم التربية باعتبارها العمل الذي تمارسه الأجيال الراشدة على الأجيال التي لم تنضج بعد من أجل الحياة الاجتماعية.و هدفها أن تثير لدى المتلقي و تنمي عنده طائفة من الأحوال الجسدية و الفكرية و الخلقية التي يتطلبها منه المجتمع السياسي في جملته, و تتطلبها البيئة الخاصة التي يعد لها بوجه خاص أما السوسيولوجي الكندي جي روشي فيعتبر التربية منظومة الأوليات التي تمكن الفرد على مدى حياته من تعلم و استبطان القيم الاجتماعية و الثقافية السائدة في وسطه الاجتماعي في حين يركز السيكولوجي النمساوي فرويد على أهمية التقمص في التنشئة الاجتماعية و يعرفها على أنها عملية نفسية يتمثل فيها الفرد مظهرا من مظاهر الآخر أو خاصة من خاصته أو صفة من صفاته.هكذا ووفقا لمختلف هذه التحديدات تتباين التربية من مجتمع لآخر بتباين النماذج الثقافية و الرموز و القيم التي يستهدف كل مجتمع ضمان استمرارها من خلال السهر على تمريرها للأجيال اللاحقة, إلا أنها لا تعدو أن تكون أن تكون انعكاسا لأساليب السلطة الموظفة في المجتمع و في مؤسساته. لهذا السبب يتم الرهان في أجرأة غايات و أهداف العملية التربوية على المؤسسات التربوية التقليدية الممتدة من المدرسة إلى الأسرة باعتبارهما مؤسستين اجتماعيتين إدماجيتين تتمحور أهميتهما في المحافظة على الموروث الاجتماعي و إعادة إنتاجه بما يضمن عملية الإدماج هاته على مستويين إدماج الفرد في المجتمع و إدماج ثقافة المجتمع في الفرد و هو أمر كان من الممكن التسليم به في ظل انحسار التأثير الإعلامي و قدرة أجهزة الضبط الاجتماعية على الهيمنة عليه بل و توجيهه في سبيل تحقيق غاياتها. لكن حالة الانفلات الهائل للثورة المعلوماتية على الأفراد و الجماعات بل و على الدول نفسها من شأنه أن يطرح أكثر من سؤال حول الهوامش المتاحة لهذه المؤسسات التقليدية في القيام بعملية إعادة الإنتاج هذه .خصوصا إذا عقدنا مقارنة بسيطة بين خطاب هذه المؤسسات الأقرب ميلا إلى المحافظة و الأكثر ارتباطا بالقهر و الإكراه, و الخطاب السمعي البصري الذي يراهن على آخر تقنيات التأثير و جلب الانتباه من خلال تغليف الأيديولوجيا المراد تمريرها في غلاف المتعة و التشويق . هكذا إذن تتجاوز ثنائية التربية و الإعلام الأفراد لتمس بتأثيرها الدول و الجماعات على اعتبار أن الثورة المعلوماتية الحديثة لا تضمن عملية تثاقف جدلي بين كل شعوب العالم بقدر ما تتيح هامشا واسعا للتأثير بالنسبة للنماذج الثقافية الغربية الأكثر امتلاكا و تحكما في التقنيات المعلوماتية على حساب الجماعات الأقل تأثيرا و التي يفرض عليها موقعها الضعيف في مختلف المجالات و في مقدمتها محدودية امتلاك التقنية المعلوماتية لعب دور المتلقي السلبي بما يجعل نماذجها الثقافية اليوم عارية أمام تدفق هذه الرموز و العلامات الغربية حاملة معها أبطالا و قيما جديدة تعيد تركيب مخيلة المشاهد بعارضات الأزياء و نجوم الرياضة و السينما و مختلف أنماط العيش و السلوك الغربي بشكل يجعلنا نستحضر شيخ السوسيولوجيين العرب ابن خلدون في قراءته لشكل التفاعل الممكن بين ثقافة الغالب و المغلوب. فهيمنة النموذج الغربي اقتصاديا و سياسيا و عسكريا و معلوماتيا بالطبع يلغي كل إمكانية للتثاقف الجدلي بتبادل التأثير و التأثر هكذا يبقى الشكل المتاح هو اكتساح القوي للفضاء الثقافي للضعيف و تمرير قيمه و نظرياته و مثله بما لا يبقي للآخر المستهدف من سبيل سوى الارتماء في أحضان هذا الاكتساح الوافد مع ثورة المعلومة أو الانزواء المستحيل وراء حدود التراث و التاريخ القومي بشكل يجعل الثقافات المحلية تعبر عن ذاتها في قالب فلكلوري.
إن الانتشار الهائل لوسائل الإعلام من شأنه أن يحدث تغيرات هائلة في البنى الذهنية و أنماط التفكير و سيرورة اتخاذ القرار في مختلف المجالات مما من شانه أن يؤثر بشكل أو بآخر على مشروع صناعة الإنسان الذي من المفترض أن تضطلع به التربية. فهذا الاختراق الثقافي الغربي لمختلف أنساق القيم المحلية و أنظمة إنتاج الرموز من شأنه أن ينعكس بشكل مباشر على المجال التربوي من حيث عدم قدرة المؤسسات التقليدية الممثلة أساسا في الأسرة و المدرسة على حماية الأمن الثقافي للمجتمع و تلبية حاجيات أفراده من الرموز و القيم و المعايير, ذلك أن هذه الأخيرة أضحت تنتج خارج الحدود الجغرافية و الثقافية الوطنية بما أصبح يتوافق و الحديث عن الإنسان العالمي و مواطن الانترنيت المندرج في مجتمع كوني واحد متحرر من انتماءاته اللغوية و القومية و الثقافية و الدينية و الجغرافية , أي أننا بصدد عولمة الأنا التي حولت الهوية إلى مجرد أسطورة قد يعود البحث فيها إلى اختصاص الأنثروبولوجيين. لكن هذا الحديث الجذاب عن عالم بدون حدود قومية يحمل في طياته طابعا تعسفيا من حيث هو تعبير مهذب عن اكتساح القوي لثقافة الضعيف بما يعنيه هذا من سير نحو التنميط الثقافي من خلال تدمير الثقافات المحلية و تمرير نموذج ثقافي واحد و هو ما يعبر عنه الأستاذ عبد الإله بلقزيز في كتابه القيم في البدء كانت الثقافة و فيه يرى أن المشروع الغربي في عصر العولمة قد أصبح في عهدة الإمبراطوريات السمعية البصرية بما تملكه من نفوذ و إمكانات و سلطة تمكنها من تقديم مادتها الإعلامية للمتلقي في قالب مشوق يجلب الانتباه عبر تكنولوجيا الإثارة و التشويق و يقارب عتبة المتعة و معها يبلغ خطابه الأيديولوجي و أهدافه الاستهلاكية و يسهم في وأد حاسة النقد لدى المتلقي الذي يصبح قابلا لتمرير و تلقي جميع القيم و المواقف السلوكية دون اعتراض عقلي أو معاداة نفسية.
إن اكتساح الإعلام الغربي للمجال الثقافي الوطني من شانه أن يحول هذا الفضاء الداخلي إلى فضاء للإقصاء فهيمنة السمعي البصري و اكتساحه لكل الفضاءات الممكنة و استئثاره بحيز زمني مهم من وقت المتلقين و الذي يبلغ ذروته في النمط التلفزيوني يجعل الجميع أقرب إلى العيش في عالم افتراضي أثيري يتألف من الصور و الإشارات و النصوص المرئية و المقروءة على الشاشات الإلكترونية بما يحمله هذا من تهديد لمنظومات القيم و الرموز المحلية التي تعمل المؤسسات التربوية التقليدية جاهدة على إعادة إنتاجها و تغيير في المرجعيات الوجودية و أنماط الحياة. فالعالم المرغوب فيه بالنسبة لزبناء الفضاء السمعي البصري التلفزيوني خاصة لم يعد بالضرورة هو العالم الحقيقي الذي يتحرك في إطاره هؤلاء بقدر ما هو هذا العالم الأثيري الافتراضي الذي تنقله وسائل الإعلام الغربية و امتداداتها المحلية أيضا فتسهم به في تغيير البنى الذهنية و التشويش إن لم نقل التضييق على الأجهزة التقليدية الوصية على الممارسة التربوية و هذا من شأنه أن يحول المجتمع الحقيقي إلى مجتمع للاغتراب و الإقصاء فالرموز و القيم التي يتشبع بها المتلقي يوميا عبر الفضاء السمعي البصري مختلفة كليا عن رموز و قيم المجتمع الأصلي و دخول المؤسسات التقليدية الإدماجية في صراع مع وسائل الإعلام خصوصا منها السمعية البصرية حول الاستئثار باهتمام المتلقين و انتباههم هو أمر من الطبيعي أن يكون محسوما لفائدة هذه الأخيرة بالنظر لفاعلية آلياتها الأكثر قدرة على الـتأثير في مواجهة الخطاب المدرسي و الأسري المغلف بالأوامر و النواهي.
ترتبط التربية في مختلف الأدبيات الكلاسيكية بعملية التنشئة الاجتماعية socialisation باعتبارها منظومة العمليات التي يعتمدها المجتمع نقل ثقافته إلى أفراده بما تنطوي عليه هذه الثقافة من مفاهيم و قيم و عادات و تقاليد إنها باختصار العملية التي من خلالها يتم دمج الفرد في المجتمع و دمج ثقافة المجتمع في الفرد و هو طرح يجد امتداده أساسا في مختلف التعاريف و التحديدات التي تعود لكبار منظري الحقل التربوي باختلاف امتداداتهم العلمية و الابستمولوجية فعالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركهايم يقدم التربية باعتبارها العمل الذي تمارسه الأجيال الراشدة على الأجيال التي لم تنضج بعد من أجل الحياة الاجتماعية.و هدفها أن تثير لدى المتلقي و تنمي عنده طائفة من الأحوال الجسدية و الفكرية و الخلقية التي يتطلبها منه المجتمع السياسي في جملته, و تتطلبها البيئة الخاصة التي يعد لها بوجه خاص أما السوسيولوجي الكندي جي روشي فيعتبر التربية منظومة الأوليات التي تمكن الفرد على مدى حياته من تعلم و استبطان القيم الاجتماعية و الثقافية السائدة في وسطه الاجتماعي في حين يركز السيكولوجي النمساوي فرويد على أهمية التقمص في التنشئة الاجتماعية و يعرفها على أنها عملية نفسية يتمثل فيها الفرد مظهرا من مظاهر الآخر أو خاصة من خاصته أو صفة من صفاته.هكذا ووفقا لمختلف هذه التحديدات تتباين التربية من مجتمع لآخر بتباين النماذج الثقافية و الرموز و القيم التي يستهدف كل مجتمع ضمان استمرارها من خلال السهر على تمريرها للأجيال اللاحقة, إلا أنها لا تعدو أن تكون أن تكون انعكاسا لأساليب السلطة الموظفة في المجتمع و في مؤسساته. لهذا السبب يتم الرهان في أجرأة غايات و أهداف العملية التربوية على المؤسسات التربوية التقليدية الممتدة من المدرسة إلى الأسرة باعتبارهما مؤسستين اجتماعيتين إدماجيتين تتمحور أهميتهما في المحافظة على الموروث الاجتماعي و إعادة إنتاجه بما يضمن عملية الإدماج هاته على مستويين إدماج الفرد في المجتمع و إدماج ثقافة المجتمع في الفرد و هو أمر كان من الممكن التسليم به في ظل انحسار التأثير الإعلامي و قدرة أجهزة الضبط الاجتماعية على الهيمنة عليه بل و توجيهه في سبيل تحقيق غاياتها. لكن حالة الانفلات الهائل للثورة المعلوماتية على الأفراد و الجماعات بل و على الدول نفسها من شأنه أن يطرح أكثر من سؤال حول الهوامش المتاحة لهذه المؤسسات التقليدية في القيام بعملية إعادة الإنتاج هذه .خصوصا إذا عقدنا مقارنة بسيطة بين خطاب هذه المؤسسات الأقرب ميلا إلى المحافظة و الأكثر ارتباطا بالقهر و الإكراه, و الخطاب السمعي البصري الذي يراهن على آخر تقنيات التأثير و جلب الانتباه من خلال تغليف الأيديولوجيا المراد تمريرها في غلاف المتعة و التشويق . هكذا إذن تتجاوز ثنائية التربية و الإعلام الأفراد لتمس بتأثيرها الدول و الجماعات على اعتبار أن الثورة المعلوماتية الحديثة لا تضمن عملية تثاقف جدلي بين كل شعوب العالم بقدر ما تتيح هامشا واسعا للتأثير بالنسبة للنماذج الثقافية الغربية الأكثر امتلاكا و تحكما في التقنيات المعلوماتية على حساب الجماعات الأقل تأثيرا و التي يفرض عليها موقعها الضعيف في مختلف المجالات و في مقدمتها محدودية امتلاك التقنية المعلوماتية لعب دور المتلقي السلبي بما يجعل نماذجها الثقافية اليوم عارية أمام تدفق هذه الرموز و العلامات الغربية حاملة معها أبطالا و قيما جديدة تعيد تركيب مخيلة المشاهد بعارضات الأزياء و نجوم الرياضة و السينما و مختلف أنماط العيش و السلوك الغربي بشكل يجعلنا نستحضر شيخ السوسيولوجيين العرب ابن خلدون في قراءته لشكل التفاعل الممكن بين ثقافة الغالب و المغلوب. فهيمنة النموذج الغربي اقتصاديا و سياسيا و عسكريا و معلوماتيا بالطبع يلغي كل إمكانية للتثاقف الجدلي بتبادل التأثير و التأثر هكذا يبقى الشكل المتاح هو اكتساح القوي للفضاء الثقافي للضعيف و تمرير قيمه و نظرياته و مثله بما لا يبقي للآخر المستهدف من سبيل سوى الارتماء في أحضان هذا الاكتساح الوافد مع ثورة المعلومة أو الانزواء المستحيل وراء حدود التراث و التاريخ القومي بشكل يجعل الثقافات المحلية تعبر عن ذاتها في قالب فلكلوري.
إن الانتشار الهائل لوسائل الإعلام من شأنه أن يحدث تغيرات هائلة في البنى الذهنية و أنماط التفكير و سيرورة اتخاذ القرار في مختلف المجالات مما من شانه أن يؤثر بشكل أو بآخر على مشروع صناعة الإنسان الذي من المفترض أن تضطلع به التربية. فهذا الاختراق الثقافي الغربي لمختلف أنساق القيم المحلية و أنظمة إنتاج الرموز من شأنه أن ينعكس بشكل مباشر على المجال التربوي من حيث عدم قدرة المؤسسات التقليدية الممثلة أساسا في الأسرة و المدرسة على حماية الأمن الثقافي للمجتمع و تلبية حاجيات أفراده من الرموز و القيم و المعايير, ذلك أن هذه الأخيرة أضحت تنتج خارج الحدود الجغرافية و الثقافية الوطنية بما أصبح يتوافق و الحديث عن الإنسان العالمي و مواطن الانترنيت المندرج في مجتمع كوني واحد متحرر من انتماءاته اللغوية و القومية و الثقافية و الدينية و الجغرافية , أي أننا بصدد عولمة الأنا التي حولت الهوية إلى مجرد أسطورة قد يعود البحث فيها إلى اختصاص الأنثروبولوجيين. لكن هذا الحديث الجذاب عن عالم بدون حدود قومية يحمل في طياته طابعا تعسفيا من حيث هو تعبير مهذب عن اكتساح القوي لثقافة الضعيف بما يعنيه هذا من سير نحو التنميط الثقافي من خلال تدمير الثقافات المحلية و تمرير نموذج ثقافي واحد و هو ما يعبر عنه الأستاذ عبد الإله بلقزيز في كتابه القيم في البدء كانت الثقافة و فيه يرى أن المشروع الغربي في عصر العولمة قد أصبح في عهدة الإمبراطوريات السمعية البصرية بما تملكه من نفوذ و إمكانات و سلطة تمكنها من تقديم مادتها الإعلامية للمتلقي في قالب مشوق يجلب الانتباه عبر تكنولوجيا الإثارة و التشويق و يقارب عتبة المتعة و معها يبلغ خطابه الأيديولوجي و أهدافه الاستهلاكية و يسهم في وأد حاسة النقد لدى المتلقي الذي يصبح قابلا لتمرير و تلقي جميع القيم و المواقف السلوكية دون اعتراض عقلي أو معاداة نفسية.
إن اكتساح الإعلام الغربي للمجال الثقافي الوطني من شانه أن يحول هذا الفضاء الداخلي إلى فضاء للإقصاء فهيمنة السمعي البصري و اكتساحه لكل الفضاءات الممكنة و استئثاره بحيز زمني مهم من وقت المتلقين و الذي يبلغ ذروته في النمط التلفزيوني يجعل الجميع أقرب إلى العيش في عالم افتراضي أثيري يتألف من الصور و الإشارات و النصوص المرئية و المقروءة على الشاشات الإلكترونية بما يحمله هذا من تهديد لمنظومات القيم و الرموز المحلية التي تعمل المؤسسات التربوية التقليدية جاهدة على إعادة إنتاجها و تغيير في المرجعيات الوجودية و أنماط الحياة. فالعالم المرغوب فيه بالنسبة لزبناء الفضاء السمعي البصري التلفزيوني خاصة لم يعد بالضرورة هو العالم الحقيقي الذي يتحرك في إطاره هؤلاء بقدر ما هو هذا العالم الأثيري الافتراضي الذي تنقله وسائل الإعلام الغربية و امتداداتها المحلية أيضا فتسهم به في تغيير البنى الذهنية و التشويش إن لم نقل التضييق على الأجهزة التقليدية الوصية على الممارسة التربوية و هذا من شأنه أن يحول المجتمع الحقيقي إلى مجتمع للاغتراب و الإقصاء فالرموز و القيم التي يتشبع بها المتلقي يوميا عبر الفضاء السمعي البصري مختلفة كليا عن رموز و قيم المجتمع الأصلي و دخول المؤسسات التقليدية الإدماجية في صراع مع وسائل الإعلام خصوصا منها السمعية البصرية حول الاستئثار باهتمام المتلقين و انتباههم هو أمر من الطبيعي أن يكون محسوما لفائدة هذه الأخيرة بالنظر لفاعلية آلياتها الأكثر قدرة على الـتأثير في مواجهة الخطاب المدرسي و الأسري المغلف بالأوامر و النواهي.