السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إنَّ الحمدَ للَّه ، نحمدُه ونَسْتعينُه ونَسْتغفرُه ، ونعوذُ باللَّهِ مِنْ شرور أنفسِنا ، وسَيِّئاتِ أعْمالِنا ، مَنْ يهْدِه اللهُ فلا مضلَّ لهُ ، ومَنْ يُضلل فلا هاديَ لهُ ، وأشهدُ أنْ لا إله إلاَّ الله وحدَه لا شريكَ له ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه - صلَّى اللهُ عليه وآله وسلم.
أما بعد :
فإنَّهُ مِنَ المعْلومِ لدى السَّائرِ إلى الله ؛ أنَّ العلْمَ الذي يُصلحُ الفردَ والمجتمعَ هو ما كانَ مَبْنيًّا على كِتابِ اللهِ ، وسنَّةِ رسولِهِ - صلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم - ، وعلى منْهَجِ وفَهْمِ السَّلفِ الصاَّلِحِ ، وأمَّا ما كان مخالفاً لذلكَ ؛ فإنَّه لا يُصلحُ الفردَ ولا المجتمعَ ، بل يُفسدُهما ويضرُّهما في الدنيا والآخرةِ .
ولمَّا عَلِم السَّلفُ الصَّالحُ هذهِ الحقيقةَ علمَ اليقينِ ، وخَطرَ إهمالها على الفَرْدِ والمجْتَمعِ ؛ أصْبَحوا لا يأخُذونَ العِلْمَ إلاَّ مِمَّن يعرفون ؛ فلا يتَلقَّفونَ العِلْمَ مِنْ كُلِّ أحَدٍ كما هو حالُ أكثرُ النَّاس في هذه العُصورِ ، بلْ ينظرونَ في أحْوالهم مِنْ حيثُ الصِّدقُ والأمَانةُ والتَّقْوى منْ جِهَةٍ ، ومنْ حيثُ العلمُ الذي يحمِلونَهُ ويَدْعونَ النَّاسَ إليهِ - هلْ هو العلْمُ النَّافِعُ المبنيُّ على الكِتابِ والسُّنَّة الصَّحيحةِ - مِنْ جِهَةٍ أخْرى .
فَيسْألونَ عَنْهُم وعَنْ عِلْمِهم وعَمَّن أخَذوه ، بَلْ يبيِّنونَ للنَّاسِ مَنْ يَصْلُحُ لِأَخْذِ العِلْمِ عنْهُ ومَنْ لا يَصْلُحُ ، يَفْعَلونَ كُلَّ ذلكَ وغَيْرَه لِكَي لا يُدْخِلوا في عُقولهم وقُلوبهم مَا لا يَرْضاه اللهُ ، ولمْ يبلغْهُ رسولُ اللهِ - صلّى اللهُ عليه وآله وسلم -
ولهذا جاءتِ المقولَةُ المشْهورَةُ عنِ الإمامِ محمد بن سيرين في تقريرِ وتقعيدِ هذا الأصلِ للنَّاسِ حيْثُ قال كما في مقدّمةِ صحيحِ الإمام مسلم :
( إنَّ هذا العلمَ دينٌ فانْظُروا عَمَّن تأخذونَ دينَكم).
وقال - أيضا - :
(لمْ يَكونوا يَسْألونَ عَنِ الإسْنادِ ، فَلمَّا وقَعَتِ الفِتْنَةُ قالوا سَمُّوا لَنَا رجَالَكم فيُنظر إلى أهْلِ السنَّةِ فيُؤخذ حديثُهم ويُنظر إلى أهلِ البدعةِ فلا يؤخذ حديثُهم).
وجاء بُشيْر العدوي إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - وجعل يُحدِّثه ويقول : قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كذا وكذا، قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كذا ، فلم يلتفت إليه ابن عباس ، فقال بُشير مستغرباً : مالي لا أراك تسمع لحديثي! أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا تسمع !! فردَّ عليه ابن عباس -رضي الله عنه- قائلاً :
( إنَّا كنَّا مرَّةً إذا سمعنا رجلاً يقول قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ابْتَدَرتْهُ أبْصارُنا وأصْغَيْنا إليهِ بآذنِنا ، فَلمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعبَ والذَّلولَ لم نَأخُذْ مِنَ النَّاسِ إلاَّ ما نَعْرِفُ)
وقال عبد الله بن المبارك موصياً الحسن بن عيسى:
(إذا قدِمتَ على جرير فاكتبْ علمَه كلَّه إلاَّ حديثَ ثلاثة: حديثَ عُبيدَة بن مُعتِّب والسَّريِّ بن إسماعيل ومحمد بن سالم).
وأنشد - رحمه الله - أبياتًا يوصي بها طالب العلم بأخذ العلم عن إمام في السنَّة في عصره وهو حماد بن زيد ، ويحذّره من الأخذ عن عمرو بن عبيد الذي هو إمام في البدعة:
أيُّها الطالـب علماً ..... (ائتِ) حماد بن زيد
وخـذ العلم بحلم ..... ثم قـيـِّده بقيد
ودع البدعة من آثار ..... عمرو بن عبـيد
إلى غْيِر ذلكَ من تِلْكُم الأخْبارِ المُشْرِقَةِ التي تُبيِّن حُسْنَ طَريقَتِهِم وهَديِهِم ، ومَدى حِرْصِهم على هذا التَّقْعيدِ الذي يحفَظُ عَلَيْهِم -بإذْنِ اللَّهِ- دُنْياهُم ودِينَهُم ، ولهذا قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه بعد أنْ أسْنَد آثاراً كثيرةً في هذا البابِ :
(..وفيما ذكرنا كفايةٌ لمن تفهَّم وعقلَ مذْهبَ القومِ فيما قالوا من ذلك وبيَّنوا ، وإنَّما ألْزَموا أنفُسَهم الكشْفَ عن معايبِ رواةِ الحديثِ وناقلي الأخبار، وأفتَوا بذلك حين سئلوا ؛ لما فيه من
عظيمِ الخطرِ ؛ إذ الأخبارُ في أمر الدِّين إنما تأتي بتحليلٍ أو تحريمٍ ، أو أمرٍ أو نهيٍ ، أو ترغيبٍ أو ترهيبٍ ، فإذا كان الراوي لها ليس بمعدنٍ للصِّدق والأمانةِ ثمَّ أقْدَم على الروايةِ عنه مَنْ قد عرفهُ ولم يبيِّن ما فيه لغيره مِمَّن جهلَ معرفتَه ؛ كان آثماً بفعله ذلك غاشّاً لعوامّ المسلمين إذْ لا يؤمَنُ على بعضِ مَنْ سمعَ تِلكَ الأخبار أنْ يستعملها أو يستعملَ بعضها ...الخ)
قلت : ولا يظنُّ ظانٌّ أنَّ هذا التقعيدَ منحصِرٌ في رواة الحديثِ لا غير دونَ مَنْ نصَّبَ نفْسَه لتعليمِ الناسِ أحكامَ دينِهِم
بل يشمل هذا وذاك ، لأنَّ العلَّة - التي هي عدم الأمنِ على السامعِ مِنْ أنْ يتعبَّدَ اللهَ بهذه الأحكامِ أو ببعضِها - واحِدةٌ ، فاحفظ هذا فإنَّه مهمٌّ .
ولمَّا فرَّط بعضُ إخواننا في هذا الأصلِ أو غفلوا عنه ؛ أصبحوا عُرضَةً لِتلاعبِ كثيرٍ مِنْ هؤلاء الذينَ يُظهِرونَ العلمَ والسُّنَّةِ إلى أمدٍ
فإذا ما التفَّ الشبابُ حولَهم ، وأمِنَ هؤلاء ولاءهم؛ أظْهَروا ما كانوا يَصْبونَ إليهِ ويَطْمعونَ فيه،
وتبيَّن لإخوانِنا أنَّهم لم يُقْبلوا إلاَّ على سرابٍ، لكن يَتبيَّن ذلك بعد أنْ يَنْقسموا إلى قسمَينِ أو ثلاثةٍ : بينَ مؤيِّد ، ومعارض ، ومتوقّفٍ محايد .
لذا رأيتُ مِنَ الأمور المهمَّةِ التَّأكيدَ على هذهِ الوصِيَّةِ وهي (عدمُ أخْذِ العِلْم إلاَّ مِمَّن عُرفَ بالسُّنَّة) لا سيما في هذا العصْرِ حيْثُ أصْبَح كثيرٌ مِنَ المخالفينَ والمعادين لأهلِ السنَّة يَسْتخدِمونَ طرُقاً ووسائلَ ، وشِباكاً ومصايدَ لربّما استفادوا أصلها منْ دعواتِ المستشرقين وغيرهم ، حيث نرى كثيراً مِنْ هؤلاء المعادين المخالفين حينما رأوا الشبابَ يفِرُّ مِنْ سُبُلهم وكتبِهِم إلى سبيلِ أهلِ السُّنةِ والجماعةِ وكتُبِهِم.
نَراهم قدْ عَمدوا إلى تَدْريسِ كُتُبِ أهلِ السنّةِ الجماعة لِتكونَ مَصْيدَةً للتَّائبيَن إلى السُّنةِ ومَطيَّةً لِنَقْلهِم إلى سُبُلِهم وطُرُقِهم المعْوَجَّةِ ولَوْ بعْدَ حين.
فعلى مَنْ يُريدُ العافيَةَ في دينهِ ، والسَّلامَةَ في عَقْلِه ، والشِّفَاءَ في قلْبهِ ، ألاَّ يأخذَ العِلْمَ مِنْ كُلِّ ناعِقٍ.
وإنَّما عليْهِ - إذا أرادَ الطَّلبَ على أحَدٍ - أنْ يَسْألَ عنْهُ مَنْ يَعْرُفُه مِنْ عُلَماءِ أهْلِ السُّنةِ والجَماعَةِ أوْ حَمَلةِ العِلْمِ المعْروفينَ بالسنَّةِ
فإذا كانَ الجوابُ بِأنَّه على خَيْرٍ واسْتِقامَةٍ ، وقُدْرةٍ على التَّعْليمِ والإفَادةِ فَإنِّه يَسْتَفيدُ مِنْه لَكِنْ مِنْ غَيْرِ غُلوٍّ فيهِ ، وإنَّما يُعْطيهِ قَدْرَهُ ومَنْزلَتهُ ، وأمَّا إذا كان الجوابُ بأنَّه على شُبَهٍ وانحرافٍ فَلْيَفرَّ مِنْهُ فِرَارَهُ مِنَ الأسَدِ فَسَلامَةُ الدّينِ لا تَعْدِلُها سَلامَةٌ.
والله أعلم.
إنَّ الحمدَ للَّه ، نحمدُه ونَسْتعينُه ونَسْتغفرُه ، ونعوذُ باللَّهِ مِنْ شرور أنفسِنا ، وسَيِّئاتِ أعْمالِنا ، مَنْ يهْدِه اللهُ فلا مضلَّ لهُ ، ومَنْ يُضلل فلا هاديَ لهُ ، وأشهدُ أنْ لا إله إلاَّ الله وحدَه لا شريكَ له ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه - صلَّى اللهُ عليه وآله وسلم.
أما بعد :
فإنَّهُ مِنَ المعْلومِ لدى السَّائرِ إلى الله ؛ أنَّ العلْمَ الذي يُصلحُ الفردَ والمجتمعَ هو ما كانَ مَبْنيًّا على كِتابِ اللهِ ، وسنَّةِ رسولِهِ - صلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم - ، وعلى منْهَجِ وفَهْمِ السَّلفِ الصاَّلِحِ ، وأمَّا ما كان مخالفاً لذلكَ ؛ فإنَّه لا يُصلحُ الفردَ ولا المجتمعَ ، بل يُفسدُهما ويضرُّهما في الدنيا والآخرةِ .
ولمَّا عَلِم السَّلفُ الصَّالحُ هذهِ الحقيقةَ علمَ اليقينِ ، وخَطرَ إهمالها على الفَرْدِ والمجْتَمعِ ؛ أصْبَحوا لا يأخُذونَ العِلْمَ إلاَّ مِمَّن يعرفون ؛ فلا يتَلقَّفونَ العِلْمَ مِنْ كُلِّ أحَدٍ كما هو حالُ أكثرُ النَّاس في هذه العُصورِ ، بلْ ينظرونَ في أحْوالهم مِنْ حيثُ الصِّدقُ والأمَانةُ والتَّقْوى منْ جِهَةٍ ، ومنْ حيثُ العلمُ الذي يحمِلونَهُ ويَدْعونَ النَّاسَ إليهِ - هلْ هو العلْمُ النَّافِعُ المبنيُّ على الكِتابِ والسُّنَّة الصَّحيحةِ - مِنْ جِهَةٍ أخْرى .
فَيسْألونَ عَنْهُم وعَنْ عِلْمِهم وعَمَّن أخَذوه ، بَلْ يبيِّنونَ للنَّاسِ مَنْ يَصْلُحُ لِأَخْذِ العِلْمِ عنْهُ ومَنْ لا يَصْلُحُ ، يَفْعَلونَ كُلَّ ذلكَ وغَيْرَه لِكَي لا يُدْخِلوا في عُقولهم وقُلوبهم مَا لا يَرْضاه اللهُ ، ولمْ يبلغْهُ رسولُ اللهِ - صلّى اللهُ عليه وآله وسلم -
ولهذا جاءتِ المقولَةُ المشْهورَةُ عنِ الإمامِ محمد بن سيرين في تقريرِ وتقعيدِ هذا الأصلِ للنَّاسِ حيْثُ قال كما في مقدّمةِ صحيحِ الإمام مسلم :
( إنَّ هذا العلمَ دينٌ فانْظُروا عَمَّن تأخذونَ دينَكم).
وقال - أيضا - :
(لمْ يَكونوا يَسْألونَ عَنِ الإسْنادِ ، فَلمَّا وقَعَتِ الفِتْنَةُ قالوا سَمُّوا لَنَا رجَالَكم فيُنظر إلى أهْلِ السنَّةِ فيُؤخذ حديثُهم ويُنظر إلى أهلِ البدعةِ فلا يؤخذ حديثُهم).
وجاء بُشيْر العدوي إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - وجعل يُحدِّثه ويقول : قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كذا وكذا، قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كذا ، فلم يلتفت إليه ابن عباس ، فقال بُشير مستغرباً : مالي لا أراك تسمع لحديثي! أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا تسمع !! فردَّ عليه ابن عباس -رضي الله عنه- قائلاً :
( إنَّا كنَّا مرَّةً إذا سمعنا رجلاً يقول قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ابْتَدَرتْهُ أبْصارُنا وأصْغَيْنا إليهِ بآذنِنا ، فَلمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعبَ والذَّلولَ لم نَأخُذْ مِنَ النَّاسِ إلاَّ ما نَعْرِفُ)
وقال عبد الله بن المبارك موصياً الحسن بن عيسى:
(إذا قدِمتَ على جرير فاكتبْ علمَه كلَّه إلاَّ حديثَ ثلاثة: حديثَ عُبيدَة بن مُعتِّب والسَّريِّ بن إسماعيل ومحمد بن سالم).
وأنشد - رحمه الله - أبياتًا يوصي بها طالب العلم بأخذ العلم عن إمام في السنَّة في عصره وهو حماد بن زيد ، ويحذّره من الأخذ عن عمرو بن عبيد الذي هو إمام في البدعة:
أيُّها الطالـب علماً ..... (ائتِ) حماد بن زيد
وخـذ العلم بحلم ..... ثم قـيـِّده بقيد
ودع البدعة من آثار ..... عمرو بن عبـيد
إلى غْيِر ذلكَ من تِلْكُم الأخْبارِ المُشْرِقَةِ التي تُبيِّن حُسْنَ طَريقَتِهِم وهَديِهِم ، ومَدى حِرْصِهم على هذا التَّقْعيدِ الذي يحفَظُ عَلَيْهِم -بإذْنِ اللَّهِ- دُنْياهُم ودِينَهُم ، ولهذا قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه بعد أنْ أسْنَد آثاراً كثيرةً في هذا البابِ :
(..وفيما ذكرنا كفايةٌ لمن تفهَّم وعقلَ مذْهبَ القومِ فيما قالوا من ذلك وبيَّنوا ، وإنَّما ألْزَموا أنفُسَهم الكشْفَ عن معايبِ رواةِ الحديثِ وناقلي الأخبار، وأفتَوا بذلك حين سئلوا ؛ لما فيه من
عظيمِ الخطرِ ؛ إذ الأخبارُ في أمر الدِّين إنما تأتي بتحليلٍ أو تحريمٍ ، أو أمرٍ أو نهيٍ ، أو ترغيبٍ أو ترهيبٍ ، فإذا كان الراوي لها ليس بمعدنٍ للصِّدق والأمانةِ ثمَّ أقْدَم على الروايةِ عنه مَنْ قد عرفهُ ولم يبيِّن ما فيه لغيره مِمَّن جهلَ معرفتَه ؛ كان آثماً بفعله ذلك غاشّاً لعوامّ المسلمين إذْ لا يؤمَنُ على بعضِ مَنْ سمعَ تِلكَ الأخبار أنْ يستعملها أو يستعملَ بعضها ...الخ)
قلت : ولا يظنُّ ظانٌّ أنَّ هذا التقعيدَ منحصِرٌ في رواة الحديثِ لا غير دونَ مَنْ نصَّبَ نفْسَه لتعليمِ الناسِ أحكامَ دينِهِم
بل يشمل هذا وذاك ، لأنَّ العلَّة - التي هي عدم الأمنِ على السامعِ مِنْ أنْ يتعبَّدَ اللهَ بهذه الأحكامِ أو ببعضِها - واحِدةٌ ، فاحفظ هذا فإنَّه مهمٌّ .
ولمَّا فرَّط بعضُ إخواننا في هذا الأصلِ أو غفلوا عنه ؛ أصبحوا عُرضَةً لِتلاعبِ كثيرٍ مِنْ هؤلاء الذينَ يُظهِرونَ العلمَ والسُّنَّةِ إلى أمدٍ
فإذا ما التفَّ الشبابُ حولَهم ، وأمِنَ هؤلاء ولاءهم؛ أظْهَروا ما كانوا يَصْبونَ إليهِ ويَطْمعونَ فيه،
وتبيَّن لإخوانِنا أنَّهم لم يُقْبلوا إلاَّ على سرابٍ، لكن يَتبيَّن ذلك بعد أنْ يَنْقسموا إلى قسمَينِ أو ثلاثةٍ : بينَ مؤيِّد ، ومعارض ، ومتوقّفٍ محايد .
لذا رأيتُ مِنَ الأمور المهمَّةِ التَّأكيدَ على هذهِ الوصِيَّةِ وهي (عدمُ أخْذِ العِلْم إلاَّ مِمَّن عُرفَ بالسُّنَّة) لا سيما في هذا العصْرِ حيْثُ أصْبَح كثيرٌ مِنَ المخالفينَ والمعادين لأهلِ السنَّة يَسْتخدِمونَ طرُقاً ووسائلَ ، وشِباكاً ومصايدَ لربّما استفادوا أصلها منْ دعواتِ المستشرقين وغيرهم ، حيث نرى كثيراً مِنْ هؤلاء المعادين المخالفين حينما رأوا الشبابَ يفِرُّ مِنْ سُبُلهم وكتبِهِم إلى سبيلِ أهلِ السُّنةِ والجماعةِ وكتُبِهِم.
نَراهم قدْ عَمدوا إلى تَدْريسِ كُتُبِ أهلِ السنّةِ الجماعة لِتكونَ مَصْيدَةً للتَّائبيَن إلى السُّنةِ ومَطيَّةً لِنَقْلهِم إلى سُبُلِهم وطُرُقِهم المعْوَجَّةِ ولَوْ بعْدَ حين.
فعلى مَنْ يُريدُ العافيَةَ في دينهِ ، والسَّلامَةَ في عَقْلِه ، والشِّفَاءَ في قلْبهِ ، ألاَّ يأخذَ العِلْمَ مِنْ كُلِّ ناعِقٍ.
وإنَّما عليْهِ - إذا أرادَ الطَّلبَ على أحَدٍ - أنْ يَسْألَ عنْهُ مَنْ يَعْرُفُه مِنْ عُلَماءِ أهْلِ السُّنةِ والجَماعَةِ أوْ حَمَلةِ العِلْمِ المعْروفينَ بالسنَّةِ
فإذا كانَ الجوابُ بِأنَّه على خَيْرٍ واسْتِقامَةٍ ، وقُدْرةٍ على التَّعْليمِ والإفَادةِ فَإنِّه يَسْتَفيدُ مِنْه لَكِنْ مِنْ غَيْرِ غُلوٍّ فيهِ ، وإنَّما يُعْطيهِ قَدْرَهُ ومَنْزلَتهُ ، وأمَّا إذا كان الجوابُ بأنَّه على شُبَهٍ وانحرافٍ فَلْيَفرَّ مِنْهُ فِرَارَهُ مِنَ الأسَدِ فَسَلامَةُ الدّينِ لا تَعْدِلُها سَلامَةٌ.
والله أعلم.